تحديات الشباب والشابات في زمن التغيرات: مقارنة بين الماضي والحاضر وسبل العلاج
في زمنٍ يشهد تغيرات سريعة، أصبحت حياة شباب وفتيات الإسلام مليئة بالتحديات التي لم تكن تواجه الأجيال السابقة بنفس الحجم. مع تنامي تأثيرات العصر الحديث، أصبح التأقلم مع الواقع المعاصر والمحافظة على القيم الإسلامية يتطلبان صبرًا ومجاهدة. كانت الحياة في الماضي أبسط، حيث كانت القيم الإسلامية حاضرة بقوة، أما اليوم، فنواجه مجتمعًا يمتلئ بالإغراءات، مما يجعل الثبات على الدين وتحقيق الاستقامة أمرًا يستدعي الصبر والتفاني.
الزواج: من السهولة إلى التعقيد
في الماضي، كان الزواج يتم بيسر وسهولة، وغالبًا في سنٍ مبكرة. كانت المتطلبات بسيطة، والدعم الاجتماعي والأسري يجعل من الزواج خطوة قريبة وسهلة. كانت العائلات تتكاتف لتساعد الشباب والشابات على بناء حياة زوجية مبنية على القيم والأخلاق، وكان الهدف الأساسي من الزواج هو الاستقرار والعفاف. أما اليوم، فقد تعقدت الأمور وأصبح الشاب يعاني من غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج، مما يجعل فكرة الزواج هدفًا بعيد المنال لدى كثير من الشباب، بل قد يفقد الأمل في تحقيقه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا معشرَ الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج” (رواه البخاري ومسلم). ولكن اليوم يجد الشاب نفسه مكبلاً بالتكاليف الباهظة، ويشعر بأن الزواج مطلبٌ عسيرٌ في ظل التحديات المادية والاجتماعية.
النظرة الحرام وصعوبة غض البصر
في الماضي، كانت مظاهر الحياة أقل إغراءً، وكانت المرأة في المجتمع الإسلامي ترتدي الحجاب الكامل، مما سهل على الشباب حفظ عيونهم من الفتن. أما اليوم، فنحن نعيش في زمن تتعرض فيه العين إلى مشاهد الإغراءات من كل اتجاه؛ في الشوارع، ووسائل الإعلام، وحتى على شاشات الهواتف الذكية. أصبح الشاب محاطًا بصور وأفلام ومناظر تثير الفتن وتدفعه لمخالفة أمر الله تعالى، الذي يقول: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} (سورة النور، الآية 30). ومع ذلك، فإن التمسك بالفضيلة في هذا الزمن يتطلب إرادة قوية وصبرًا عظيمًا للابتعاد عن المعاصي.
التعليم والعمل: من البناء إلى التنافسية الشديدة
في الماضي، كان التعليم وسيلة للتطوير الشخصي والمجتمعي، وكانت فرص العمل متاحة بسهولة نسبية. كانت العائلة والقبيلة تقدم الدعم، ولم يكن الشباب في حاجة لتحدي تنافسية شرسة للحصول على وظيفة. أما اليوم، فقد أصبحت الحياة المهنية محفوفة بالمنافسة، وأصبح التعليم باهظ التكاليف، ويتطلب الحصول على الشهادات العالية والمهارات المتقدمة، مما زاد من الضغوط النفسية والمالية. بات الشباب يسعون للعمل لأجل تأمين مستقبلهم، وغالبًا ما يشعرون بأنهم في سباق لا ينتهي، ويجدون أنفسهم مرهقين ومحبطين في كثير من الأحيان.
التواصل الاجتماعي والعزلة الاجتماعية
في الماضي، كانت العلاقات الاجتماعية قوية، وكانت الروابط الأسرية متينة. كان الناس يجتمعون بانتظام في المناسبات الدينية والاجتماعية، وكان البيت والأسرة هو الملاذ الآمن. أما اليوم، فقد أدى انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي إلى خلق فجوة بين الناس، حيث أصبح كل شخص يعيش في عالمه الخاص، محاطًا بصور حياة الآخرين التي تخلق شعورًا بالإحباط وتضعف الإيمان بأن الله يختبر عباده ويبتليهم. أصبح الشباب ينغمسون في الحياة الافتراضية، التي تخلق لديهم صورة غير واقعية عن النجاح والسعادة، وتبعدهم عن القيم الحقيقية للحياة.
سبل العلاج والمواجهة
رغم هذه التحديات الكبيرة، فإن العودة إلى الله واتباع تعاليم الإسلام قادران على تقوية الشباب والشابات في مواجهة هذه الصعاب. إليك بعض الوسائل التي قد تكون عونًا لهم:
- التقوى والاعتماد على الله: التقوى هي الحصن الحصين الذي يقي الإنسان من الوقوع في المعاصي، فهي تذكير دائم بأن الله يرى ويسمع كل شيء. قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (سورة الطلاق، الآية 2). والاعتماد على الله يزيد الإنسان ثقة وصبرًا في مواجهة التحديات.
- الصبر على الفتن والإغراءات: إن الصبر على الابتلاءات هو عبادة عظيمة، ويكسب الإنسان الأجر الكبير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما يصيب المسلمَ من نصبٍ ولا وصبٍ ولا همٍّ ولا حَزَنٍ ولا أذًى ولا غمٍّ حتى الشوكةِ يُشاكُها إلا كفَّر اللهُ بها من خطاياه” (رواه البخاري ومسلم). فالصبر على الابتلاءات التي يواجهها شباب اليوم، سواءً في الزواج أو العمل أو مواجهة الفتن، هو اختبار لصبرهم وثباتهم.
- المحافظة على الصلاة والأذكار: الصلاة هي الحصن الذي يلجأ إليه المسلم في مواجهة تحديات الحياة، وهي لقاء يومي مع الله يعطيه القوة والاستقرار الروحي. قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} (سورة العنكبوت، الآية 45).
- غض البصر والابتعاد عن مصادر الفتن: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من غضّ بصره عن محاسن امرأة، أورث الله في قلبه حلاوة يجدها إلى يوم القيامة” (رواه أحمد). فعلى الشباب الحرص على تجنب النظر إلى المحرمات، والابتعاد عن كل ما يثير النفس ويُبعد القلب عن الله.
- التوازن بين العمل والدين: العمل ضروري لتحصيل الرزق، ولكن يجب أن يكون التوازن حاضرًا بين العمل والالتزام بالعبادات. قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (سورة القصص، الآية 77).
- الصحبة الصالحة: الصحبة الصالحة تعين الإنسان على الثبات على الحق. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل” (رواه أبو داود والترمذي).
- التربية الدينية السليمة: إن التربية الإسلامية التي تغرس حب الله والالتزام بالعبادات منذ الصغر هي الحصن الأهم لمواجهة تحديات الحياة. يجب أن تُزرع في الأبناء القيم التي تعينهم على الثبات أمام الفتن.
أجر الصابرين وثوابهم عند الله
الصبر هو أحد أعظم العبادات التي يحبها الله، وهو طريق الإنسان إلى الراحة الأبدية. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (سورة الزمر، الآية 10). الصبر هو جهاد النفس، وهو تدريب للنفس على الثبات واليقين بأن الله هو المخلص والناصر.
فلنتذكر أنَّ الحياة الدنيا دار ابتلاء، وأنَّ الصبر والإيمان هما الزاد الحقيقي الذي يعين الشباب والشابات في مواجهة هذا الواقع الصعب، وأنَّ كل ابتلاء يحمل في طياته خيرًا لمن صبر واحتسب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له” (رواه مسلم).
ختامًا، يجب على شباب وفتيات الإسلام أن يتذكروا أنَّ الله معهم في كل تحدٍ يواجهونه، وأنَّ الثبات على القيم الإسلامية هو سبيلهم للفوز برضا الله في الدنيا والآخرة، وأنَّ الصبر والمجاهدة هما الدواء الناجع أمام صعوبات الحياة، ومع كل تحدٍ وصعوبة، فإن الأجر عند الله عظيم.