عاممن وحي حياتنا

أين هي أولوياتنا؟

أعرف شخصًا بدأ في قراءة كتاب “الأب الغني والأب الفقير” للكاتب روبرت كيوساكي (وهذا ليس إعلاناً للكتاب). الكتاب يتحدث عن المال والاستثمارات وطرق تحقيق الثراء، ومنذ أن بدأ هذا الشخص قراءة الكتاب، صار يُدخل اسم الكاتب في كل حوار يتعلق بالمال والاستثمار.


لا شك أنني أشجع على القراءة، وأؤمن بأن العلم والثقافة من أهم وسائل التطور. لكن الأمر الصادم في هذا الشخص هو أنه، رغم محافظته على الصلاة والفرائض، لم يقرأ القرآن الكريم كاملاً في حياته! يهتم بكتب تتحدث عن المال والاستثمارات، وكأن هذه الدنيا هي دار القرار. قال الله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (سورة الحديد، الآية 20). ربما نحن نعيش في زمن طغت فيه الرأسمالية وسيطر فيه المال على عقول الناس، حتى أصبح البعض يقيس النجاح بمقدار الثروة، متجاهلين حقيقة أن هذه الدنيا دار فناء وليست دار القرار.

بعدما لفتُّ انتباهه لهذا الأمر، مرَّ بعض الوقت، وأخبرني أنه بدأ يقرأ عن أحد العلماء المشهورين في التاريخ الإسلامي. وبين الحين والآخر، صار يذكر لي مآثر هذا العالم، ويتحدث عن أفعاله وإنجازاته. ولكن، الصدمة كانت للمرة الثانية، حين اكتشفت أنه لم يقرأ سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم! كيف يتعلم عن أي عالم مهما بلغ علمه، ويغفل عن سيرة سيد الخلق، رسول الله الذي قال الله فيه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (سورة الأحزاب، الآية 21)؟

هذا الموقف يدعونا للتأمل في أولوياتنا. لا يمكن أن نغرق في كتب تتحدث عن المال والاستثمارات، ونترك كتاب الله الذي قال فيه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (سورة ص، الآية 29). ولا يمكن أن نمجِّد العلماء، مهما كان شأنهم، دون أن نبدأ بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال عنه الله: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} (سورة القلم، الآية 4).

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه” (رواه مالك).

علينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا، وأن نجعل القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في مقدمة اهتماماتنا. نعم، من الجميل أن نقرأ ونتعلم، ولكن علينا أن ندرك أن قراءة كتب المال والاستثمار أو سير العلماء تأتي بعد الاهتمام بكتاب الله وسنة رسوله. فهذه الحياة دار امتحان، وليست دار قرار، ولا ينبغي أن نجعل الدنيا تسيطر على عقولنا وننسى الآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى