الديمقراطية الأمريكية: بين الوهم والحقيقة
كثيرًا ما يُروج للديمقراطية الأمريكية كنموذجٍ رائد يجب أن يُحتذى به، ويعتقد البعض أنَّها القمة في الحرية والعدالة. لكن إذا تأملنا قليلاً، نجد أنَّها ليست سوى لعبة مُحكمة يتم بها خداع الشعوب، إذ يُوهمون الناس بأنهم يملكون حق اختيار قادتهم، بينما الحقيقة هي أن الخيارات محدودة بين مرشحين، أحدهما قد يتجاوز السبعين عامًا، في دولة عدد سكانها يتجاوز 330 مليون نسمة. كيف يُعقل أن تكون الخيارات محصورة في اثنين فقط لا يُمثلان غالبًا طموحات الشعب ولا رؤيته الحقيقية؟
في النظام الأمريكي، نجد الحزبين الرئيسيين يحتكران السلطة، مما يضع الشعب أمام خيارات ضيقة قد تكون جميعها سيئة. وعندما يُقال لهم “اختاروا بحرية”، نجد أن الواقع هو احتكار حقيقي للسلطة، حيث يتم تكرار نفس الوجوه والسياسات. هذا الأمر يذكرنا بقول الله تعالى: *{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}* (سورة البقرة، الآيتان 11-12). فهم يظنون أنَّهم يقيمون العدل، بينما في الواقع يُمارسون الفساد ويُضيقون على الشعوب القدرة على اختيار الأنسب.
بين حرية الوهم والتحكم الخفي
الديمقراطية الأمريكية، بظاهرها، توهم الناس بأنها تمثل حرية الاختيار، لكن الحقيقة أنَّ الحملات الانتخابية تتحكم فيها الأموال الضخمة ورأس المال المسيطر على الإعلام. تُصرف مليارات الدولارات لدعم مرشحي الأحزاب الكبرى، ويُوجه الإعلام بعناية للترويج لصورة معينة ودعم شخصيات معينة. فترى وجوهًا تتكرر وتتحدث عن نفس الأفكار والسياسات، بينما تُغيّب وجوه أخرى قد تقدم رؤى مختلفة. هذه السيطرة تُبين كيف أنَّ “صوت الشعب” ليس أكثر من وهم، وأن القوة الحقيقية خلف الكواليس بيد من يتحكمون في الإعلام والمال.
أمام هذا الواقع، نجد أن المؤمن يعلم أن الحكم لله وحده، وأنه سبحانه يعلم ما يصلح الناس وما يضرهم، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (سورة يوسف، الآية 40). حكم الله أسمى من أي حكم بشري، فهو العدل المطلق الذي لا يتأثر بالأهواء ولا مصالح رجال السلطة والأعمال.
الاختيار الوهمي في مقابل الحق الإلهي
وفي الإسلام، ليس الحكم وسيلة لتحقيق مصالح شخصية أو رضى طبقة معينة من الناس، بل هو أمانة عظيمة ومسؤولية تضع الحاكم أمام ربه وأمته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” (رواه البخاري ومسلم). فالحاكم مسؤول عن تحقيق العدالة والمساواة، وتلبية حاجات الشعب، وقيادتهم بما يحقق رضا الله ويخدم مصالحهم. أما في النظام الديمقراطي الأمريكي، فإن المسؤولية تقتصر على دائرة محدودة من الأشخاص، وقد وصف أحد المؤرخين السياسيين النظام بأنه أشبه بمهزلة، حيث تكون الخيارات غالباً ضعيفة ومتناقضة.
في كل انتخابات، تُظهر الاستطلاعات أن غالبية الشعب الأمريكي لا تجد رضاها في الخيارات المتاحة، ورغم ذلك، يتكرر المشهد مرة بعد مرة، وتظل الخيارات محصورة بين شخصين، كلاهما لا يمثل رؤية حقيقية للتغيير الذي يسعى إليه الشعب. قال الله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (سورة هود، الآية 113)، فرَكون الناس إلى هذا النظام يجعلهم في نهاية المطاف تحت رحمة سلطة تخدم مصالحها الخاصة، وترسخ الأنظمة التي تُبقي سيطرة الطبقات الغنية والنخب القوية.
الدعوة إلى التمسك بحكم الله العادل
إن ما نراه من ديمقراطية مزعومة في الغرب يجب أن يوقظ فينا الإيمان بأنَّ الحكم الحقيقي لله وحده، وأنَّ العدالة التي يسعى الناس إليها لن تتحقق إلا في ظل نظام رباني قائم على تعاليم الإسلام، حيث يُسأل الحاكم ويُحاسب، ويكون العدل هدفًا لا غايةً، بعيدًا عن التلاعب بالسياسة والأموال.
قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (سورة المائدة، الآية 50). فحكم الله هو الحكم العادل الذي يحقق السعادة والأمن للبشرية، بينما الأنظمة الأخرى، التي تزعم أنها تمنح الحرية والديمقراطية، تضع الشعوب تحت سيطرة مصالحها.
الخاتمة
لذا، فإنَّ الديمقراطية الأمريكية ليست سوى وهم يضحكون به على الشعوب، وخيار ضعيف يسوقون الناس إليه، بينما العدل الحقيقي والحرية الحقة هما في حكم الله، الذي يضع ميزان الحق والإنصاف ويهدي الإنسان للطريق الصحيح.