عام

الانتظار وصبر المؤمن

الانتظار قد يكون أحد أشد الاختبارات التي نواجهها في حياتنا، فهو ليس أمرًا يسيرًا على النفس، فكيف يكون يسيرًا عندما ننتظر الفرج بعد الكرب، أو ننتظر تغير الأحوال عندما تشتد علينا الظروف، أو ننتظر الشفاء من مرضٍ طال به الأمد، أو ننتظر الذرية التي تملأ حياتنا بالفرح والسرور. لكل واحد منا أمنية ينتظرها، وأمل يتوق لتحقيقه، لكن هذا الانتظار قد يكون اختبارًا لصبرك وإيمانك، وكأنه طريق للوصول إلى أعظم الخيرات من عند الله.


الصبر في انتظار الفرج ليس مجرد حبس للنفس، بل هو سلاح المؤمن وملجأه.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له”.

(رواه مسلم).

هذا الحديث يبيّن كيف أن الصبر يحمل في طياته الخير والبركة، حتى في أصعب الأوقات وأحلك الظروف.

قد يكون انتظارك هو ما يدفعك إلى التضرع والدعاء، وقد يزيدك إيمانًا، فالله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ويعلم أنك قادر على تحمل ما تواجهه.

يقول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

(سورة البقرة، الآية 286).

فكل لحظة صبر تمر بها ترفع قدرك عند الله وتزيد من أجرك. وإذا طال انتظارك ولم يتحقق ما ترجوه، فلا تنسى وعد الله لعباده الصابرين في قوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (سورة الزمر، الآية 10).

ولنتذكر أن الصبر له أجر عظيم، قد لا يُحسب بالأيام والسنين، بل هو أجر يمتد بغير حساب، أجراً من الله الكريم، الذي يعطي عطاءً لا ينقطع.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه”.

(رواه البخاري ومسلم).

هذا هو فضل الله ورحمته، إذ يجعل من كل لحظة صبر تكفيرًا للذنوب ورفعًا للدرجات.

وعندما تشتد بك الأمور، تذكر أن الفرج قريب، فقد قال الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (سورة الشرح، الآية 6). فمع كل عسر يحيط بك، هناك يسر سيأتي من الله ليبدد الظلام ويملأ قلبك بالسكينة. لذلك، توكل على الله، واثبت في انتظارك، ولا تيأس من رحمة الله. اعلم أن ما أنت فيه هو جزء من رحمة الله لك، فالله يعلم ما يصلح لنا وقد يؤجل الاستجابة ليختبر صبرنا أو ليعطينا خيرًا أعظم مما نرجو.


فاجعل صبرك في انتظار الفرج بابًا لمزيد من الدعاء واليقين برحمة الله. واعلم أن الصبر جزء من الإيمان، وهو سبيل للفوز برضوان الله، فما أجمل أن نكون ممن إذا أصابتهم الشدائد، تذكروا وعد الله وتوكلوا عليه، وانتظروا الفرج بقلب مطمئن واثق بالله الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى