عام

يوم المُعجزِة، شَقُّ البَحرِ واليَقين

تَخيَّل هذا الموقف وَعِش لحظاته:

موسى عليهِ السلام، معهُ قومه، يركضون يهرعون خائفين من جَيش مدجج كبير يَلحق بِهم، البكاء يَرتفع، أطفال ترتعد، كِبار ينظرون بعين خائفة مرتبكة حولها يُمنةً وَيُسرة، يتقدمهم نبيُّ الله مُوسى (عليهِ السلام).

شعبٌ هرب يرتجف، أولي القُوَّة ينتظرون حتفهم، والضِعاف يختبئون بين بعضهم.

وَصلوا البَحر الهائِج بأمواجه العاتية، والغيم الأسود الذي يُغطي جنباتِه، وكأنك تَقف أمام وَحشٍ قاتم بإرتعاد حركته وَقوَّة بطشه، وَسُلطانه إن غَضب أغرق كُل من حوله.

هذا المَشهد العظيم يَعيشه مُوسى عليهِ السلام وَقومه، وهو القائد والنبي والأمرُ بيده حينها. وعلى القائد أن يظهر لهم قوةً وبأساً ورأياً ينجونِ به من الجحيم المُحيط فيهم، وَهم الآن أمام بحرٍ يُغرقهم، وَعدوٍ من خلفهم سيُمزِّقهم تمزيق.

هذا المشهد يدعو لشيء واحد، وهو الخَوف، بَل الرُعب. ولكن نَبيُّ الله موسى، يَقول : ” قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) “.

أيُّ يقينٍ هذا ؟ أيُّ ثقةٍ هذه ؟
ماذا لو أراد الله أن يُغرقك أنت وَقومك وَتنتهي قصة هذا القوم، كما لم نعلم عن آلاف الأنبياء، وعن آلاف الأقوام الذين سَبقونا ولم نَرى منهم حَتى الأثر.

كيف يقول هذا وهو على وَشك الموت، وبينه وبين الموتِ لحظات، فلا ثانيَّ للموت في اللحظة التي كان بها، إمَّا القَتل على يَدِ فِرعون وجنوده، وإمَّا الغرق في البحر.

هُنا يَظهر الإيمان، هُنا يظهر اليقين بالله، هُنا يظهر من أيقن بِصدق على من زَيَّف إيمانه، هُنا يَظهر مَعنى “أولي العَزم” وأيُّ عزمٍ أشدُّ من هذا في هذا الموقف الصعب، وبينك وبين موت أُمتك وَشعبك وَموتِك أنت لَحظات.

وحينها تتجلى رَحمةُ الله تعالى أن يضرب البحر قال تعالى: ” فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) ” سورة الشعراء.

وبالطَبع، ولا أي عَصا في العالم تستطيع أن تشق صَخرةً فكيف تَشُق بحراً، ويكون كُل طرفٍ منهُ كالجبل الشاهق مُنتصباً ولا تَسيل المياه من أطرافه!

إنَّها قُوَّة الله وَعظمته وَجبروته الذي إذا قال لشيء كُن فَيكون. هي قُوَّة الله العظيم القادر المُقتدر، الذي أوقف خاصية الحرق في النار عِندما رُمي خليله إبراهيم (عليهِ السلام) فيها. إنَّها قُوة الله التي أغرق الأرض بِمن فيها إلَّا نوحاً ومن معه، والأدلة لا تُحصى.

اللهُمَّ هَب لنا إيماناً ويقيناً كما كان لِموسى وإبراهيم (عليهِما السلام) مِن قبل، وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا 🤲

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى