الإنابة إلى الله : المرحلة الثانية
بعد أن أعلنا نيَّتنا الخالصة لوجه الله تعالى بالعَودة إلى الله ولِطريقهِ الحق، مع العَزيمة، والإدراك بأنَّا مُذنبون ولا دَرب لنا إلَّا الصِراط المُستقيم، ولا نَصر لنا إلَّا مع الله، ولا مَغفرة لنا إلا بعبادةِ الله، ولا راحة لنا إلى في المسير إلى الله.
نَبدأ بعون الله في المَرحلة الثانية في طريق الإنابة إلى الله، ألا وَهي تَطهيرُ النفس من الذنوب وتنقية الروحِ من الدنس.
لن تَرتاحَ النفسُ، ولن يَصفى الذهن، ولن تَشعر بلذة القُرب من الله، ولا الخشوع في قراءة القرآن العظيم، أو عند ركوعِك وَسجودك في صلاتِك، إلَّا عند تنقية الروح من الذنوب الملاصقة لها والتي قد صبغتها بكتم سوداء قد أخفت ملامحها، فأصبحت متشعبةً في الأرض بعيدةً عن السماء، قد امتزجت بالخطايا، وَتلوَّنت بالآثام.
روحٌ كانت بَعيدةً عن الله في كثيرِ أوقاتِها (على اختلاف دَرجة البُعد)، لا تأبه بِحقٍ أو باطل، أو بفعلٍ حسنٍ أو قبيح، أو ببرٍ أو أخلاص، سيتبدل شكلها كما يتبدل القميص الأبيض إذا لامسهُ الدَرن والأوساخ، ولا تنقية للقميص إلا بِغسله، وَقد لا تنفع الغسلة الواحدة، وَتبقى البقع، ولا تَزول الآثار، فَتحتاج للغسلة تِلو الأخرى حتى يعودَ ناصع البياض.
قال النَّبِيَّ ﷺ : ” إِن الله تَعَالَى يبْسُطُ يدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها “رواه مسلم.
إلَّا أنَّ ذنوبنا كَثيرة، وَخاصةً في هذا الزمان الذي نَعيشهُ وقد امتلأ به الفِتن، وَبقينا نَصحى على فِتن، وَننام على فِتن كَقِطع الليل المُظلم، وبِذلك نَحتاج دائِماً أن نُجدد التوبة والصِلة مع الله.
وفحوى المرحلة الثانية هي: اكتساب الإستغفار كعادة يومية، فلا يَمحو الذنوب إلَّا التوبة والاستغفار. وَحتى نُنَّقي روحنا كَما سَلف الذكر، نحتاج إلى الإستغفار. قال رسول الله ﷺ : ” مَن أَحَبَّ أن تَسُرَّه صحيفتُه ، فَلْيُكْثِرْ فيها من الاستغفارِ “.
قال الله تعالى : ” وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ” (106 – النساء).
وقال عزَّ وَجل : ” وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ” (3- هود).
وقال في مُحكم آياتِه : ” وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ” (52 – هود).
وقال الغفور الرحيم : ” وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ” (90 – هود).
وهنالك المزيد من الآيات التي تَحث على الإستغفار، وتُعدد فضائل ومكارم الإستغفار، وَوصف الله بالغفور الرحيم، الذي يغفر الذنوب كُلَّها بفضلهِ ورحمتهِ. ولكن أولاً بادِر بالتوبة والإستغفار وأرِي الله مِنك خيراً، فيَتوبَ الله عليك وَيغفر لك.
إجعل وِرداً خاصاً للإستغفار، لا تَكُن كالذي يُبقي شَعائِر الدين لأوقاتِ فراغه، فهذه تجارة الخاسرين. خَصص لنفسك وَقتاً مناسباً تجعلهُ خاصًا بالتوبةِ والإستغفار، تَشعُر فيه نَسماتِ الرضا تتَنزَّلُ عليك من الواحِد الأحد فَتملأ جَسدَك المُرهق بالذنوب فَتُطَهِره. وَحاوِل في كل مَرَّةٍ أن تزيد من العدد وأن تُضاعفه، فأثر هذا سَيعودُ عليك بِكُل خير وَراحة. ” أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ “.