خواطرنفحات

تَدبُر في الخفاءِ والرقابة


مدونة لن تكون بعد قراءتها كما كنت من قبل.

أنت الآن تَجلس في غرفة لِوحدك، أو كنت في مكانٍ لا يراك فيهِ أحدٌ من البَشر، ولم تُنصب كاميرات لرصدك، حرفياً لا أحد معك. فهل تعتقد أنَّك لوحدك؟

منذ صغرنا وبشكل شبه أكيد سمعت كلمة “الله يَراك”، نعلمها معرفة الخبر، وكثيراً لا نَعي قولها حقًّا، أنَّ الله بعظمته بصيرٌ بِنا. ولكن هنا في هذه المدونة، لا أريد أن أتعمق بما أنتَ بهِ علمت، أريد أن آخذك الآن لِمنحنى آخر من الرقابة مع نفسك، والتدبّر بهول معرفة هذا الشيء!

قال الله تعالى : ” إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) “. سورة الحجرات. وقال عزَّ وجل : ” وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) ” سورة الأحزاب.

نُكمل من حيثُ توقفنا، أنت الآن في غرفة لوحدك، وتظن أنَّك كذلك، فهل أنت بمفردك حقًّا؟

قال الله تعالى : ” وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) “. سورة الإنفطار. 

فإنَّ لكل إنسان ملائكة إثنان، واحدٌ عن يمينه يكتب الحَسنات، وآخر عن شماله يكتب السيئات، وهم معك في كل وقتٍ وحين وأينما ذهبت وفي أي مكان حللت. وهكذا في هذه الحسبة لم تعد لوحدك، أصبحتم ثلاثة.

قال الله تعالى: ” إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ [17] مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [18] ” سورة ق.

لم ننتهي بعد، اقرأ قوله تعالى : ” لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [11]} سورة الرعد.

معك أيضاً ملائكة إثنان، واحدٌ من أمامك، وواحدٌ من خلفك (مُعَقِّبَاتٌ) لحفظك وحمايتك وهم من فضل الله علينا ورحمته بنا، سُبحانَهُ وَتعالى، أكرمهم علينا لحفظنا من كل سوء وَشر.  قال ابن عباس هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه. أي أنَّ هذه الملائكة يحفظون العَبد بإذن الله تعالى ما لم يجئ المقدور ، فإذا جاء المقدور خلوا عنه، أي تركوه لقدره. قال كعب : لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجن.

فمن الجَدير أن نحمد الله تعالى على أن وَكل لنا ملائكة تحفظنا من الجن والشرور وسوء الأقدار، وكُل ذلك بإذنه، فلا مَرد لقدره إذا شاء أمراً.

وهكذا أصبحت في غرفتك التي تجلس بها لوحدك خَمسة، وَهُم : أنت وإثنان من الملائكة الكرام الكاتبين، وإثنان من الملائكة الحافظين.

أردت أن أتوقف هنا ولا أطيل عليك، ولكن لم ننتهي بعد، فما زال للأمر بقيَّة.

قال الله تعالى : ” يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا  إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ  إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) ” سورة الأعراف.

إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ: أي الشيطان ومن هم من جنسهِ وصنفه وهم الجن. أي أنَّ الجن لهم القدرة على رؤية بني آدم من حيث لا يستطيع الإنسان رؤيتهم قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “إنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ ” صحيح البخاري.

وبهذه الحسبة أصبحت أنت وخمس ملائكة والجن ممن يكون حولك، وأضف عليهم القرين. فقد قال رسول الله ﷺ : ” ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ، قالوا: وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: وإيَّايَ، إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ، فلا يَأْمُرُنِي إلَّا بخَيْرٍ. ” صحيح مسلم.

أضِف عليهم الملائكة السائحين، قال رسول الله ﷺ : ” إن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلا عن كتاب الناس فإذا وجدوا أقواما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى بغيتكم …”.

وما زال في الحديث بقيَّة، فهل بعد هذا تَظن أنَّك لوحدك؟ أو منفردٌ بنفسك؟ فلنراقب أنفسنا في أفعالنا وأعمالنا وأنفاسنا. لِنُقدم الخير في السراء والضرَّاء، في السِر والعلن.

نسأل الله أن يجعلهم شهوداً لنا لا علينا يوم القيامة. اللهُمَّ اغفر لي كُل خطيئةٍ فعلتها في السِر ظنًّا مني أني لا أُرى جهلاً وضعفاً منِّي فإنِّي أتوب إليك فاغفر ذنب عبدك وضعفه وقلة حيلته، فلا غافر للذنوب سِواك.

‫2 تعليقات

  1. جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم خالص التحية والتقدير والاحترام لشخصكم النبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى