عودة الجاهلية في عصرنا
من المفارقات المؤلمة والمثير للسخرية أننا تعلمنا في المدرسة عن الجاهلية وكأنها حقبة مضت ولن تعود، ولم نكن ندرك أننا سنعيشها من جديد، بل سنواجه ما هو أشد منها وأصعب عندما نكبر! ففي زمن الجاهلية، ورغم انتشار الفساد، كانت هناك مروءة وكرم لا حدود له، وكان الدفاع عن العرض والشرف من أعظم القيم. بل إنهم اتصفوا بصفات حسنة جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
أما في عصرنا، تلاشت تلك القيم التي كانت في الجاهلية، وأصبحت كل الصفات المذمومة والمفاسد التي عرفتها العصور الغابرة منتشرة بين الناس. تفشت الرذائل، وازداد القبح، وعمَّت الفوضى، وأصبح العهر بكل أشكاله هو السائد، وأصبحت المفاسد التي كنا نقرأ عنها في العصور الماضية واقعًا نعيشه. أما الناس، فقد فقدوا المروءة، وضاعت الأمانة، وغاب الكرم، وأصبحوا يتسابقون نحو الفساد إلا من رحم الله.
إنه لزمنٌ صعب نعيشه، فنحن محاطون بالفتن من كل جانب، وما أحوجنا إلى رحمة الله وعونه في هذا العصر المليء بالمغريات والفتن. نسأل الله العظيم أن يجيرنا من شرور هذا الزمان، وأن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل لنا مخرجاً برحمته. وندعوه سبحانه أن يميتنا على الإيمان والتوحيد، ثابتين على الحق غير مفتونين ولا ضالين، كما قال الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (سورة آل عمران، الآية 8).
فما أحوجنا اليوم إلى استعادة مكارم الأخلاق التي بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتممها، لنواجه هذا العصر المليء بالفتن والضلالات برؤية واضحة، وقيم ثابتة تعيد لنا الإنسانية الحقة.